Sunday, December 1, 2013

اللوحة


"ليه الظالمين ماليين الأرض ظلم و تجبّر و أهل الحق مقهورين؟"
"ليه ربنا مضيّق في رزقي, و غيري ربنا موسع عليه؟"
"ليه فيه ناس طيبة بتمرض وتتعذب, وأطفال فقيرة لا ذنب لها تموت من الجوع.. فين العدل؟"

لو أسئلة زي دي وغيرها بتيجي في بالك, فتعالى أقولك حاجة..
تخيل معي, أحلى لوحة فنية رسمها أعظم رسام في الأرض.. أحضر هذه اللوحة و خذ مساحة 1 سم مربع منها, و كبره مئات المرات (zoom in).. ماذا ترى؟.. 
خليط ألوان أو لون واحد لا معنى له و لا قيمة فنية, أليس كذلك؟
طيب ابتعد قليلاً و خذ مساحة 5 سم مربع.. ماذا ترى؟..
أيضاً خليط من الألوان, صحيح أنها أوضح قليلاً من السابق, ولكنها مازالت لا تشكل قيمة فنية أو شكل مفهوم.
والآن, ابتعد عن اللوحة وانظر.. ماذا ترى؟
إن الـ 1 سم مربع هي حياتك القصيرة.. مهما كان لونها, فهي جزء صغير من كبير.
والـ 5 سم مربع هي حياة البشرية كلها, وعمر البشر في الحياة الدنيا.. مهما كان فيها من ألأوان و أشكال, ومهما طغى بعضهم وتجبر على بعض, ومهما حدثت حروب ونزاعات عبر عشرات الآلاف من السنين, فهي جزء صغير من لوحة كبيرة..
اللوحة الكبيرة البديعة هي مشيئة الله.. الدنيا والآخرة.. حيث تمتزج كل الألوان و الأشكال الصغيرة والكبيرة فتصبح قيمة فنية كبيرة و معنى واضح مفهوم!
كل ما حدث و سوف يحدث, هو جزء صغير من شريط ممتد و متجانس ذو قيمة نهائية و أكيدة.. هي (العدل).
مشكلتنا أننا نريد أن نفهم و نستوعب و نقتنع باللوحة الكبيرة بمجرد النظر للـ 1 سم مربع.

أحمد طاهر 
12/1/2013

Thursday, November 21, 2013

الزيت و الماء


كلامي النهردة موجه بخاصة للشباب الصغير اللي لسه بتنضج أفكاره, ومازال بيحدد انتماءاته.. أعتذر عن طوله ولكن يجب قراءته للنهاية.
فيه نماذج كتير بنشوفها يومياً بتردد كلام زي "أنا مسلم علماني!" و "العلمانية هي الحل!" و "العلمانية لا تتعارض مع الإسلام, الدين دين و السياسة سياسة!".. إلى آخر هذا الكلام..
وبينما نحن منشغلون في شرح أن العلمانية تعني أن "أمك تقلع الحجاب", ابتعدنا تماماً عن فهم الحجم الحقيقي للخلاف.
إن الخلاف بين نظرة الإسلام و نظرة العلمانية (أياً كان منهجها, رأسمالي, اشتراكي, ليبرالي..الخ) للسياسة خلاف عميق جداً..
خلاف على المستوى الفلسفي و المستوى التطبيقي, على المستوى الكلي و الفرعي.. الاستراتيجي البعيد المدى و التكتيكي القصير المدى.
والزعم بأن الإسلام و العلمانية يمكن أن يتعايشا معاً كزعم أن الزيت يمكن خلطه بالماء.
كيف؟
سأضرب ثلاث أمثلة فقط.. والأمثلة كثيرة.

أولاً : الغاية
نظرة الإسلام للإنسان والحضارة البشرية هي أن الله استخلف البشر على الأرض إلى قيام الساعة ليعبدوه و يعمروا الأرض, وحملّهم مسؤولية التكليف. وانطلاقاً من هذه المسؤلية فإن الانسان يظل حاملاً لهذه الرسالة طوال حياته.. على المستوى الفردي و مستوى المجتمع..
فإذا سألنا : ما هي (غاية) السياسة العلمانية؟ ما هي أقصى ما تطمح إيه؟ الجواب سيكون : "القوة", قوة الدولة.
وإذا سألنا نفس السؤال للنظرة الإسلامية للسياسة؟ الجواب سيكون "العدل" .. فالعدل يأتي أولاً, ولو على حساب القوة.
الرابط وثيق في النظرة الإسلامية بين الجانب الروحي الفلسفي و الجانب العملي.. فالإسلام يرى أن إقامة العدل هو الغاية و هو قربة إلى الله لأنه جزء من مهمة (الاستخلاف).
ولكن هل تكترث الدولة العلمانية كثيراً بموضوع (العدل) إذا تعارض مع مصالحها العليا؟

ثانياً: الانتماء
إن الدولة العلمانية تفترض في مواطنيها الانتماء المطلق لهذه الحدود الإقليمية الواقعة بين خطي طول (كذا) و دائرتي عرض (كذا) و مساحتها (كذا) متر مربع.
بينما لو بحثنا في كل المصادر لإسلامية سنجد أن اللفظة التي يقصد بها جماعة المسلمين أو دولتهم, والتي يخاطب بها الله الناس حين يأمرهم أو يوجههم لما فيه صالح لهم, هي لفظة (الأمة).. و كلمة (أمة) كلمة عربية فريدة لا يوجد ترجمة حقيقية لها في أي لغة أخرى, فحتى كلمة Nation " بالانجليزية التي تستخدم لترجمة "أمة" غير دقيقة, لأن لها أبعاد جغرافية أو عرقية.. وهي غير موجودة في كلمة "أمة".
ومبدأ (الولاء والبراء) في الإسلام, والذي لايختلف علىه رجل دين أياً كان مذهبه, يصف لك بوضوح خريطة انتماءاتك كفرد و كدولة.. و يكره بشدة -بل يحارب- أي انتماء آخر يتعارض مع هذا المبدأ, أياً كان هذا الانتماء (جنسية, عرق, قبيلة, مستوى اجتماعي, فريق كرة ..الخ).
إن الكيان الذي يطلب الإسلام من الساسة والمواطنين الانتماء إليه وتحديد البوصلة السياسية على أساسه, هو كيان عمره عشرات الآلاف من السنين, بدأ منذ نزول آدم على الأرض.. وممتد حتى قيام الساعة وهو كيان (أمة الإسلام).. وليس هذا الكيان الإقليمي الذي حدّه المستعمر (في حالة بلادنا العربية مثلاً) من عشرات أو بضع مئات من السنين.
فأنت كفرد حين ستقف أمام الله ستسأل عن ما قدمت (لأمتك) و ليس (لدولتك).
هل تعتقد أن الكلام السابق هو كلام نظري لن يؤثر كثيراً على القرارات السياسية اليومية؟
لا أعتقد أنك بهذه السذاجة!
كم من الساسة يوضع يومياً في مفترق طرق بين أن يخذ قرار سياسي يصب في مصلحة (أمة الإسلام) أو قرار يصب في مصلحة (دولته) ؟.. لن أسقط هذا الكلام بأمثلة حية من واقعنا, فأنتم تعرفونها جيداً 


التعارض بين الإسلام والعلمانية يحضر بشكل دائم في كل موقف.. بدءاً من الدساتير التي تكتب, ومروراً بالقرارات السياسية التي تتخذ يومياً و حتى بالهوية السياسية الممتدة.

ثالثاً: العلاقات الخارجية.
كما قلنا سابقاً, فإن مبدأ الولاء والبراء الأصيل في عقيدة أي مسلم, هو ما يحدد انتماءاته وولاءاته لكل من حول, أفراد كانوا أو دول.
(لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم) - المجادلة 22
هذه هي نظرة الإسلام, ولكن ما موقف السياسة العلمانية مثلاً لو حدث خلاف سياسي أدى إلى وقوع حرب بين دولتين مسلمتين, دون وجود (باغي) حقيقي بين أحداها؟ ألن تتعارض سياسية (المصلحة) مع سياسة (الولاء) ؟ أنت كفرد, لنفترض أنك جندي مقاتل, هل تعتقد أنه ستقف أمام الله (كشهيد) أم كقاتل أو مقتول بسبب خلاف (سياسي) ؟

الساسة يوضعون يومياً في مواقف اختيار بين "العدل" أو "القوة".. بين "المبادئ" أو "المصالح" .. بين "مصلحة الأمة" أو "مصلحة الدولة".. أعلم أنها ليست بالضرورة أن تتعارض, ولكن كلامي هنا عن حالة أنها بالفعل تعارضت.. لأي منها ستكون الأولوية؟
الإسلام وضع لك خطوط عريضة تسير عليها في السياسة, وترك لك التفاصيل لترسمها بما يتناسب مع واقعك.. ولكن هذه الخطوط العريضة مختلفة كل الاختلاف عن تلك التي تضعها العلمانية.
الخلاف بين العمانية والإسلام يكاد يكون كلي, ولا يتفقان إلا في تفاصيل فرعية.. وليس كما يظن كثير من الناس.
خلاف, من لا يدركه لا يعرف حقيقة دينه.
خلاصة الكلام: ماتشغلش بالك كتير إذا ما كانت أمك ح تقلع الحجاب ولا لأ, لأن الموضوع أعمق بكتير 



أحمد طاهر
20-11-2013